info@kazima.org +(00) 123-345-11

مجلــة الأحكــام العدليــة العثمانيــة فــي الكويــت العربيــة

مجلــة الأحكــام العدليــة العثمانيــة فــي الكويــت العربيــة

مجلــة الأحكــام العدليــة العثمانيــة فــي الكويــت العربيــة

د. مشاعــل عبــد العزيــز اسحــق الهاجــري

15 إبريل 2011

مجلة الأحكام العدلية، أو (“المجلة”، كما اشتهرت، دون نعت أو تخصيص)، هي مدونة لأحكام الفقه الإسلامي الحنيف في المعاملات المالية، صدرت في الدولة العثمانية عام 1869 إبان عهد السلطان عبد العزيز بن محمود الثاني، تحت إشراف الوزير أحمد جودت باشا ناظر المعارف العمومية، الذي شكل لهذا الغرض لجنة علمية من رجال الدين و القانون، اضطلعت بجمع الأحكام الشرعية للمعاملات على مذهب الإمام أبي حنيفة، لتكون أول تقنين مدون و رسمي للفقه الإسلامي. فمن حيث الشكل، بلغت مواد المجلة 1851 مادة متضمنة أحكاماً شرعية لمختلف المعاملات المدنية، قسمت – على غرار نهج القانون المدني الفرنسي – بحسب المواضيع التي تناولتها (كالبيع، الإيجار، الكفالة، و الوكالة و عداها).

و قد كان الهدف من إصدار المجلة هو الخروج بقانون مدني موحد لكافة الولايات و الأقاليم الخاضعة للدولة العثمانية، لا سيما بعد ظهور القانون المدني الفرنسي عام 1804 و انتشاره في أوروبا بشكل غير مسبوق. و قد طبقت المجلة في كافة محاكم الأقاليم الخاضعة للدولة العثمانية، إلا أن التطبيق الأبرز لها قد كان في سوريا و لبنان و فلسطين و الأردن و العراق (استمر تطبيق مجلة الأحكام في العراق حتى عام 1936 ـ 1937، عندما استعانت الحكومة العراقية بالخبير القانوني المصري الدكتور عبد الرزاق السنهوري الذي وضع القانون المدني العراقي ليحل محل المجلة).

و قد تكون الكويت هي البلد الوحيد الذي طبقت فيه المجلة من دون فرض من قبل الدولة العثمانية. فقد كانت الكويت كيانا ً مستقلا ً ذا سيادة منذ نشأتها فلم تتبع الحكم العثماني، و إنما طبقت المجلة فيها بناءً على رغبة ٍ من حاكمها آنذاك، الشيخ أحمد الجابر الصباح، في معرض ترتيبه للأوضاع التشريعية و القضائية للدولة، و قد كان ذلك في فترة انتهاء السيادة العثمانية على البلاد الإسلامية، بل و بعد إلغاء المجلة من تركيا ذاتها. و كان ذلك من خلال دور المجلس التشريعي لعام 1938، الذي كان اول عمل نفذه هو إلزام القضاء (“محكمة الكويت الشرعية”) باستنباط جميع الفتاوى و الأحكام التي يصدرها من مجلة الأحكام الشرعية (العدلية) وحدها دون سواها من مصادر، حتي ينتفي التشعب في الآراء والتضارب في الأحكام.[1] و يعتبر تطبيق المجلة في الكويت علامة فارقة من علامات التحول إلى التشريع الحديث، من حيث كونها دلالة للتحول من القانون العرفي و الشفاهي إلى أول تشريع مدون يطبق في دولة الكويت.

و يعتبر تطبيق المجلة في الكويت علامة فارقة من علامات التحول إلى التشريع الحديث، من حيث كونها دلالة للتحول من القانون العرفي و الشفاهي إلى أول تشريع مدون يطبق في دولة الكويت.

و للمجلة خصوصية طريفة يمكن الوقوف عليها من خلال ملاحظة تأثرها بثقافة الزمان السائدة من جهة و بالقانون المدني الفرنسي من جهة ٍ ثانية. ففيما يتعلق بعلاقات العمل على سبيل المثال، لم تفرق المجلة بين إجارة الأشياء و إجارة الأشخاص، فالأحكام التي تسودها تشير الى أخذها بفكرة أن العمل سلعة، و أنه يصلح محلاً لعقد الإيجار، فنظمت من ثم عقد العمل تحت عنوان “فصل اجارة الآدمي” (الفصل الرابع من الباب السادس، المواد 262-581).[2] و المادة الرئيسية التي تنظم ما اسمته المجلة “إجارة الآدمي للخدمة” هي المادة 562، التي ورد فيها “تجوز إجارة الآدمي للخدمة او لإجراء صنعة ببيان مدة أو بتعيين العمل بصورة أخرى كما بين في الفصل الثالث من الباب الثاني”.[3] و مع ذلك، فإن المجلة تفرق بين عقدي المقاولة و العمل (رغم أنها لا تعرف مصطلح “المقاولة”). فحيث يتعهد المقاول بصنع شيء مقابل أجر، فإن العقد يعتبر “عقد استصناع” (المادة 388 من المجلة)، و يسمى المقاول في هذه الحالة بـ “الأجير المشترك” (المادة 422 من المجلة). أما حيث يتعهد المقاول بأداء عمل معين فإن هذا التعهد يعتبر من قبيل “إجارة الآدمي”.[4]

و على أية حال، فمع تطور الواقع الاقتصادي في الكويت إثر اكتشاف النفط، بدأ يظهر أن المجلة لم تعد أداة تشريعية كافية لتنظيم التعاملات المالية في البلاد بشقيها المدني و التجاري، فبدأت حركة التشريع الحديثة، التي استهلت بقانون التجارة الصادر في سنة 1961.

فيما يلي نصوص مختارة من المجلة (لا حظ بساطة الصياغة):

المادة 540: “لو اشترط ايصال حمل معين الى محل معين وتعبت الدابة في الطريق فالمكاري مجبور على تحميله على دابة اخرى و ايصاله الى ذلك المحل”.

المادة 543: “لو استؤجرت دابة الى مكان و كان يطلق اسمه على بلدتين فايتهما قصدت يلزم اجر المثل. مثلا لو استكريت دابة من اسلامبول الى جكمجه و لم يصرح هل الى كبيرهما او الى صغيرهما فايتهما قصدت يلزم اجر المثل بنسبة مسافتهما”.

المادة 575: “يلزم الحمال ادخال الحمل الى الدار ولكن لا يلزمه وضعه في محله . مثلا ليس على الحمال اخراج الحمل الى فوق الدار ولا وضع الذخيرة في الانبار (المستودع)”.

و بعد، فمجلة الأحكام العدلية محطة تاريخية هامة و مؤثرة في تطور النظام التشريعي المالي في دولة الكويت. لا يمكن دراسة تطور نظام القانون المدني في البلاد دون التوقف في محطة “المجلة”.

[1] بدر جاسم اليعقوب، القانون المدني الكويتي: ماضيه و حاضره (الكويت: معهد البحوث و الدراسات العربية، 1988)، ص. 24.

[2] و ذلك انطلاقا من موقف الفقه الاسلامي في ذلك، المستند الى قوله تعالى: “قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين” (الآيتان 26 و 27 من سورة القصص).

[3] و من أمثلة نصوص مجلة الأحكام العدلية التي تنظم إجارة الآدمي المادة 570 من المجلة “لو استاجر اهل قرية معلماً او اماماً او مؤذناً و أوفى خدمته يأخذ اجرته من اهل تلك القرية”، و المادة 574 من المجلة “كل ما كان من توابع العمل و لم يشترط على الأجير يعتبر فيه عرف البلدة و عادتها كما ان العادة في كون الخيط على الخياط”.

[4] محمد لبيب شنب، دروس في شرح قانون العمل، مذكرات على الآلة الكاتبة (الكويت: كلية الحقوق – جامعة الكويت، 1980).

Lorem Ipsum

Leave Your Comments

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Tabligh - Copyright 2021. Designed by Nauthemes